قاوم مبادرة لدعم ومساندة ضحايا الابتزاز الجنسي في مصر
قاوم مبادرة لدعم ومساندة ضحايا الابتزاز الجنسي في مصر
في الصيف الماضي، شعر مدير التسويق المصري محمد اليماني بصدمة بعد معرفته بانتحار فتاة في عامها السابع عشر كانت قد تواصلت معه لمساعدتها عقب إقدام صديقها السابق على تهديدها عن طريق “الابتزاز الجنسي”. وتعرف على هذه الفتاة عندما أرسلت إليه رسائل تتعلق بمحنتها، ونصحها اليماني الذي يستغل موقع فيسبوك لزيادة الوعي بقضية التحرش الجنسي والابتزاز الجنسي، بالذهاب إلى الشرطة والإبلاغ عن الواقعة.
لكن في اليوم التالي، عرف اليماني أن الفتاة أقدمت على الانتحار بعد أن أرسل صديقها السابق صورها إلى والدها. وعندما تواصل اليماني مع أسرة الفتاة لدفعهم إلى اتخاذ إجراءات قضائية ضد المبتز، جاء الرد كالتالي: “لا نريد فضيحة. فقد ماتت بالفعل”. وعلى وقع هذه القصة، تعهد مدير التسويق والناشط الاجتماعي محمد اليماني ببذل كل ما في وسعه لإنقاذ النساء والفتيات اللاتي يتعرضن لابتزاز جنسي لتجنب مصير الفتاة المنتحرة.
وفي يونيو / حزيران من العام الماضي، تم إطلاق صفحة “قاوم” على الفيسبوك لمساعدة ضحايا الابتزاز الجنسي وإنقاذهن. ولاقت الصفحة قبولا بمرور الوقت حتى أضحى عدد المتابعين اليوم أكثر من 250 ألف متابع.
فضخ المبتزين
ويعتني بصفحة “قاوم” قرابة 200 متطوع ومتطوعة إذ تعمل المتطوعات على إدارة الصفحة والرد على رسائل الضحايا فيما يقوم الآخرون على جمع المعلومات عن المبتزين خاصة أسرهم وزملائهم ورؤسائهم في العمل إذا اقتضت الحاجة ذلك.
عندما تتلقى المتطوعات تقريرا عن واقعة لفتاة يتم تهديدها وابتزازها جنسيا، يقوم المتطوعون بالتواصل مع المبتز عبر الإنترنت لحثه على حذف الصور أو المقاطع المصورة التي يهدد بها الفتاة والتأكيد على أنه في حالة رفضه ذلك، فإنه سيتم فضحه عند عائلته وأصدقائه وزملائه في العمل.
ولضمان امتثال المبتز، يطلب المتطوعون في صفحة “قاوم” منه تصوير نفسه وهو يحذف الصور والمقاطع المصورة التي يهدد بها الفتاة ويرسل هذا الفيديو إلى القائمين على الصفحة مع اعتذار للضحية.
الضغط على المبتزين للتراجع
بيد أن اليماني، مدير موقع مقاوم، يقول إن بعض المبتزين لا يستوعبون على الفور أن الفتاة لم تعد لوحدها، مضيفا “الأغلبية لا تقوم بحذف الصور والفيديوهات إلا بعد أن نهددهم بفضح أفعالهم”. وفي هذا السياق، يشير اليماني إلى أنه “في بعض الأحيان، نرسل متطوعين للاجتماع مع المبتز وجها لوجه ونعمل على إرسال متطوعين يقطنون في نفس المناطقة التي يعيش فيها المبتز. وفي حالات قليلة، نلجأ إلى الشرطة بالتنسيق مع الفتاة الضحية في حالة رفض المبتز حذف الصور والفيديوهات”.
ويقول القائمون على الصفحة إنهم يتلقون قرابة 500 حالة بشكل يومي ويعملون على حل نحو 200 حالة أسبوعيا. ويشيرون إلى أن الأمر قد يستغرق ما بين ساعات وأسبوع حتى يتراجع المبتز عن تهديده.
ومن بين الضحايا اللاتي طلبن المساعدة من صفحة “قاوم” وتم إنقاذها بعد تعرضها لابتزاز جنسي راندا (29 عاما)، وتقول إن صديقها قام بتهديدها بنشر صور خاصة لها وهي “عارية” بعد أن أبلغته بأنها تريد الانفصال عنه. وتضيف بأن حل أزمتها استغرق ثلاثة أيام.
الخوف من إبلاغ الشرطة!
وكانت راندا تخشى إبلاغ الشرطة بشأن الواقعة رغم أن البرلمان قد أصدر في أغسطس /آب قانونا يمنح المرأة حق إخفاء الهوية عند الإبلاغ عن الجرائم الجنسية، لتشجيع النساء على الإبلاغ ضد جرائم التحرش الجنسي.
وفي ذلك، تشير عزيزة الطويل – المحامية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية المستقلة – إلى أن خوف راندا “مبرر”. وتضيف أن الكثير من الضحايا يتجنبن إبلاغ الشرطة خوفا من معرفة الأسرة بالأمر أو انتشاره عبر وسائل الإعلام أو عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وما يفاقم الأمر، وفقا للمحامية، أنه في بعض الأحيان “يسعى محامي المتهم وأسرته إلى تشويه سمعة الفتاة”، مضيفة أن الإجراءات القانونية غالبا ما تأخذ الكثير من الوقت فيما يتعين على الضحايا دون الثامنة عشرة أن يقدمن شكوى وبلاغا إلى الشرطة عبر وصي قانوني. وتؤكد أن هذا الأمر يُرغم الكثير من الفتيات على عدم إبلاغ الشرطة إذا تعرضن لابتزاز جنسي خوفا من رد فعل الأسرة.
من جانبه، يقول ياسر سعد – أحد المحامين الذين تولوا قضايا ابتزاز جنسي – إن القانون المصري يحمي ضحايا الابتزاز الجنسي ويعاقب الابتزاز وانتهاك خصوصية الآخرين بغرامات أو السجن أو الاثنين معا، لكن تطبيق هذا الأمر على أرض الواقع يعد “إشكالية فضلا عن متاهات الإجراءات القانونية”.
وهو ما يوضحه سعد بقوله إن طول الفترة الزمنية بين تقديم شكوى رسمية والبدء في التحقي قيتيح المجال للمبتز للمضي قدما في تهديده. ويضيف أنه غالبا ما تحمّل الثقافة الذكورية في مراكز الشرطة، الضحايا المسؤولية في بعض الحالات.
وتقول نورهان (30 عاما) إن الفترة الزمنية التي استغرقتها الشرطة للبدء في استجواب خطيبها السابق بعد أن تقدمت بشكوى رسمية ضده بتهمة الابتزاز الجنسي في محافظة أسيوط بصعيد مصر في أكتوبر/ تشرين الأول، كانت حوالي أربعين يوما.
وفي هذا السياق، تشير عزيزة الطويل – المحامية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إلى أن الفترة الزمنية بين تقديم الشكوى واستجواب المتهم “تعتمد على مدى سرعة تمكن الشرطة من الحصول على عنوان الـ IP الخاص بجهاز المشتبه به واستكمال التحقيقات اللازمة”.
وتقول نورهان إن خطيبها في نهاية المطاف أُرغم على التراجع، لكنها في الوقت نفسه تشير إلى أنه كان يمكن أن “تتعرض للقتل” إذا نفذ خطيبها تهديده خلال تلك الفترة. ويسلط تصريح نورهان هذا الضوء على جرائم “قتل الشرف” التي تنتشر في صعيد مصر ذي التقاليد المحافظة.
عدم معرفة هوية المبتز
ورغم ما تقوم به صفحة “قاوم” في مساعدة ضحايا الابتزاز الجنسي، إلا أن اليماني يعترف بأن أكبر تحد يواجه القائمين على الصفحة يتمثل في حالة عدم معرفة الضحية هوية من يقوم بابتزازها. ويضيف “بعض النساء يقمن ببيع هواتفهن عقب حذف كافة الصور والمقاطع المصورة لكن لا يدركن أن مالك الهاتف الجديد يمكنه استعادة هذه المواد عن طريق برامج خاصة. وفي هذه الحالة، قد تتعرض لابتزاز من شخص لا تعرفه”.
وفي شأن هذه الحالات، يقول اليماني إنه ينصح السيدة أو الفتاة باللجوء على الفور إلى الشرطة والإبلاغ عن محاولة الابتزاز.
لكنه يقول إنالأمر يكون صعبا عندما تتورط في الواقعة “عصابات”. ويضيف بأن “هناك حالات تتعرض فيها النساء إلى حملات إعلانية مزيفة خاصة بمجال عروض الأزياء حيث يُطلب من الفتيات إرسال صورهن ويتعرضن بعد ذلك للابتزاز”. ويشير اليماني إلى أنه في هذه الحالات يُطلب من الفتاة دفع أموال مقابل عدم نشر صورها، مضيفا أن هذه الحالات تزايدت خلال جائحة وباء كورونا.
وفي هذا الصدد، يعتقد الخبراء أن صفحة “قاوم” تستطيع تقديم الدعم وجذب الانتباه إلى هذه الحالات. وبسبب الأعراف والتقاليد في المجتمعات العربية المحافظة، فإن الكثير من قضايا الابتزاز الجنسي لا يتم الإبلاغ عنها، وهو ما يوضحه أحمد عبد الله – مدرس علم النفس بجامعة الزقازيق الواقعة على بعد 80 كم شمال شرق مدينة القاهرة، ويشير إلى أن كثيرين في البلدان العربية “يفضلون إنهاء النزاعات في هذه القضايا عن طريق الوسائل التقليدية بدلا من اللجوء إلى القانون”. ويضيف “في جميع الحالات، كل ما تريده الضحية هو حذف الصور أو المقاطع المصورة التي تُستخدم في ابتزازها من دون فضائح. لكن إذا أثبت المسار فعاليته فإن ضحايا الابتزاز الجنسي سيسلكن هذا المسار”.
**تم تغيير الأسماء الواردة في التقرير بناء على طلب الضحايا.
**تم إعداد هذا التقرير بالتعاون مع منصة “إيجاب” الإعلامية.
إيهاب زيدان / م. ع